يعتبر العلم أهم ركيزة من ركائز قيام الأمم والمقياس الأعظم من مقاييس الرقي والتمدن، ولا شك في أن العلم والعلماء دائما ما كانت لهم الدرجة الفضلى في أي مجتمع وأي دولة قامت وستقوم، فإن كانت الدولة تحتضن العلم والعلماء وترعاهما كانت دولة مميزة تتمتع بكل درجات الرقي والمدنية بصفتها المصدر الحقيقي للمنتجات الحضارية، وإن كانت الدولة مستهلكة للإنتاجات الحضارية فقط ولا تساهم بشكل فعلي في عجلة الإنتاج الحضاري، فإن الدولة تكون متخبطة ضائعة لا تستطيع أن تكسر الهوة الفعلية بينها وبين الدول الأخرى.
تحول هدف التعليم الحقيقي من إنشاء أجيال مسلحة بالعلم والمعرفة والثقافة إلى إغراق الأجيال بمثبطات الإبداع والرقي والانفتاح ليبقوا بعيدين عن الصورة الراهنة
ولا يقتصر الرقي العلمي على الإنتاج والاكتشاف، بل على وسائل التعليم ونقل العلم للأجيال القادمة التي ستنهل مما هو موجود، وستضيف عليه ما ينفع المجتمع الإنساني برمته، وينبغي أن يكون هذا النقل علميا عمليا منهجيا متكاملا، فلا يجوز أن يكون العلم تلقينيا بحتا يضيع بمرور الوقت وتوافد المعلومات.
ويعاني الوطن العربي من مشكلة ملحة متأصلة في جذور البنية العلمية والعملية والتربوية، ومع مرور الأجيال تتفاقم هذه الفجوة وتصبح أكثر عمقا وتأصلا، فالجيل الذي سيخرج مترهلا علميا وثقافيا وتربويا وربما أخلاقيا سيأخذ على عاتقه مسؤولية إعداد الجيل الذي يليه، وبذلك يكون الجيل التالي أكثر تشتتا وضياعا، بل وأكثر ضعفا وترهلا ورثاثة.
إن المشكلة العظمى التي واجهت التعليم في الوطن العربي تتلخص بأن السياسات التربوية والتعليمية تبعت سياسة الدولة، فأصبح التعليم تجهيلا، والتنوير تعتيما، والانفتاح انغلاقا سوداويا على الانحطاط، ففقد التعليم بنيته، وانحط مستواه، وتغذت المفاسد على جذوره العفنة، فتحول هدف التعليم الحقيقي من إنشاء أجيال مسلحة بالعلم والمعرفة والثقافة إلى إغراق الأجيال بمثبطات الإبداع والرقي والانفتاح، ليبقوا بعيدين عن الصورة الراهنة بحيث لا يطالبون بالتغيير ولا يحاولون مزاحمة من هم في السلطة عليها، والنتيجة التي ترتبت على ذلك أن أصبح المتعلمون أميين، وفقد التعليم سلطته وهيبته، وفقد الكتاب شريكه ورفيقه الافتراضي، فأصبحت القراءة من أندر العملات في الوطن العربي، وأمست الثقافة مهددة بالانقراض.
إنشاء صفوف تعليم الأخلاق والفضائل للأطفال بسن الخامسة له دور إيجابي في بناء وصقل شخصية الطفل
والمشكلة الأخرى التي واجهت التعليم هي المنهاج المدرسي وغياب الوسائل التعليمية والتطبيقية، فغدت المناهج المدرسية المرجع الأول والأخير للطالب، فهي تأتيه بالمعلومة جاهزة فحرمت الطالب من متعة البحث والاستكشاف والاستنباط والتحري عن المعلومة، وانحصرت مهمة الطالب في قراءة المنهاج وحفظ المعلومات عن ظهر قلب ليكتبها في ورقة الامتحان وينجح بتفوق دون معرفة المعنى الحقيقي للتفوق، بيد أن البنية العامة للمناهج المدرسية المواكبة لا تقيد الطالب والمعلم بسلاسل المنهاج المدرسي بل تحثه على البحث والاستقصاء وبذل الوسع في الحصول على المعلومة، مما يؤدي بالنتيجة إلى فهم أعمق للدرس الصفي، بل وتحصن الطالب بالعلم والمعرفة والثقافة الضرورية ليصبح الطالب لاعبا فاعلا في نهضة الأمة لتلحق بركب الأمم المتقدمة.
إن إعادة صياغة الواقع التعليمي تتطلب أن يبنى التعليم على قواعد روحانية تبدأ من سن الطفولة المبكرة، بحيث يتم تسليح الطفل بمرحلة مبكرة من العمر بقاعدة أخلاقية روحانية متينة أساسها حب الخالق وخدمة الإنسانية وحب الوطن، ليكون بذلك مواطنا عالميا يتفاعل مع العصر ومتطلباته ويسهم في رفعة الأمة الإنسانية وتقدمها. ومن هنا إن إنشاء صفوف تعليم الأخلاق والفضائل للأطفال بسن الخامسة له دور إيجابي في بناء وصقل شخصية الطفل، فلو استطعنا بناء قاعدة روحانية متينة في نفس الطفل، لتربى عليها وأصبحت جزء من بنيته الشخصية والفكرية.
ومن الضروري جدا إعادة هيكلة المؤسسات والخطط التعليمية بما يتضمن إعادة هيكلة البنية الفكرية والاجتماعية، وعزما جادا من المختصين على مكافحة الترهل الذي أصاب قطاع التعليم، ووضع خطط شمولية يتم من خلالها تنوير السياسة التعليمية، وإلا فستكون العواقب وخيمة جدا على المستقبل وأهله.
----------------------------------------
المصدر
المقال لصاحبه : محمد رفيق العياصرة
عن موقع مدونات الجزيرة