random
آخر التقارير

العلوم والابتكارات ليست حكرًا على الأغنياء، والدليل… خلية عسل في الهند!

رجل وفكرة يمكن أن يُغيّرا العالم..
من المعروف أن مفهومنا العام عن الاختراعات والابتكارات؛ مُقتصر دائمًا على إيجاد وتطوير ألآت إلكترونية مُتقدمة بأحدث التقنيات التي تُسهّل عملها، وتُقدم خدمات أفضل للمستخدمين. وكالعادة تحتاج الابتكارات والتطوير بشكلٍ عام إلى مبالغ طائلة، وشركات قائمة لها وزنها المثالي في السوق العام لكي تنجح وتصل للمستخدمين، لكن العالم أوسع من ذلك بكثير، ودائمًا يُوجد أشخاص مُلهمون ينظرون للعالم من زوايا أكثر عَتْمة وظُلمة علّهم يُخرِجُون ما تخبؤه تلك الظُّلمة من أشياء مدهشة.

قصتنا اليوم من الهند؛ البلد الذي فاق عدد سكانها المليار شخص، والبلد الذي عرف بتصديره للعمالة الخارجية لكثيرٍ من البلدان العربية. لكنهم كحال كافة الدول، لديهم زوايا مُشرقة كثيرة خبأتها ظُلمة الفقر والانطواء خلف ذلك الستار؛ والتي بحاجة ماسة لاستكشافها.
أحد المستكشفين لزاوية مُشرقة في حياة الفقراء؛ هو البروفيسور «أَنِيل جوبتا».

كان البروفيسور «جوبتا» يعمل كمستشارًا للحكومة ومجلس الأبحاث في بنجلادش خلال الفترة بين عامي 1985 – 1986، وكان نشاطه متمثلًا في مساعدة العلماء أو الباحثين العلميين على العمل داخل حقول الفقراء، وعن كيفية جمع المعلومات والمعرفة من الناس في تلك المناطق.

– في عام 1986م؛ عاد جوبتا إلى الهند ليجد أن نسبة 60% من الأشخاص يعيشون في قرى مُهمّشة وعشوائيات، ولا يمتلكون أراضٍ خاصة بهم.
بداية قصة رحلته لعالم الفقراء

وفق ما يقول؛ فإن قصة اهتمامه انصبّت على الفقراء منذ نحو 31 عامًا؛ بعد أن أصدر وزير الاسكان الهندي قرارًا بإعلان الحرب على المناطق العشوائية في 200 منطقة متفرقة؛ تمثل ثلث الهند تقريبًا، عندها أدرك أن هؤلاء الفقراء لا يمكن أن يُعاملوا بتلك الطريقة المهمّشة، وأنهم أشخاصًا يمتلكون عقول وقلوب حتى وإن كان وضعهم الاقتصادي يقترب من خط الفقر.

خلال 15 عامًا من بداية رحلته؛ استطاع البروفيسور جوبتا أن يطّلع على نماذج معرفية ومعلوماتية من الأشخاص في المناطق التي يستهدفها، وفي إحدى المرات التي استلم فيها بيانات ضريبة الدخل، وجد نفسه يسأل سؤلًا:

هل هناك سطرًا واحدًا من هذه الورقة يدل على أن هناك نسبة من دخله الباهظ هذا؛ تذهب للأشخاص الذين يمدونه بالمعرفة والمعلومات التي يطلبها؟ وهل يتقاضى هذا الراتب بناءً على ماذا.. عبقريته أم نشاطاته؟

ويقول أنه طوال حياته كان يحارب الاستغلال بشتى أنواعه، لكنه بهذه الوسيلة يمكن أن يكون مستغلًا بشكلٍ أو بآخر؛ حيث المعرفة التي يسطّرها في هيئة معلومات أو أوراق بحثية؛ هي نتاجٌ لمجهودات أشخاص في تلك المناطق والذين ساعدوه دائمًا خلال رحلته البحثية.

وبالمقابل لا يتم ذكرهم – بالطبع – في الأوراق البحثية العلمية الرسمية، ولن يستطيع هؤلاء الاستفادة من المعرفة التي سعوا لأجلها معه؛ بسبب عدم قدرتهم على قراءة أي مادة تُنشر باللغة الإنجليزية!
أين العلم من الفقراء؟
العلم بمفهومه مُنصبٌ على الابتكارات الحديثة فقط، لكن هناك قسم آخر من العالم همّشه العلم؛ وهم الفئة الفقيرة.

ومثالًا على ذلك التهميش؛ يقول البروفيسور جوبتا:
لم يستطع العلم توفير أدواتٍ تزرع الأرز بسهولة، وبدلًا من ذلك؛ تم الاستعانة بالنساء حيث يقضين ساعات طوال في زراعة الأرز وأرجلهن مغمورة في المياه؛ مما يسبب لهن الكثير من أمراض الأقدام. أما عن زراعة الأزر يدويًا في الهند فتصل لنسبة 99%.

كما لم يستطع العلم توفير آلات لجمع أوراق الشاي بدلاً من قطفها بطريقة مؤلمة لأيدي النساء طول الموسم. وبناءً على ذلك؛ كان لابد للعلم أن يقف بجوار الفقراء لتلبية احتياجاتهم اليومية بجودة وكفاءة عالية، وبتكلفة تناسبهم.
الإلهام في نحلة..

يقول البروفيسور جوبتا؛ أن في إحدى المرات وحين كان عائدًا إلى منزله؛ رأى نحلة في مكانٍ ما، وبشكلٍ أو بآخر وجد نفسه يفكر بشدّة في طبيعة عمل النحل، أدرك أن عملها يتم من خلال امتصاصها لرحيق وردة، ثم تذهب لوردة أخرى ثم لأخرى حتى تجمع ما تحتاجه منها.

وبتلك العملية؛ لا ينقص من الورود شيئًا؛ بل أن طبيعة الورد بألوانها الجذاب هي العامل الأساسي في جذب النحل، ومن جهة أخرى لا تحتكر النحلة ما جنته وصنعته من عسلٍ لنفسها فقط؛ بل تشاركه مع أفراد المجموعة حتى تصنع المملكة الكاملة للعسل.

وهنا وضع الدكتور محاكاة فيما سيحدث لو طبقنا طريقة عمل النحل؛ في حياتنا العملية من خلال تعليم الناس ما تعلّمته منهم، وبصفته بروفيسور ستكون المعرفة هي الثمار التي سيعطيها لهم بجانب أفعالهم.
خلية العسل – Honey Bee Network



هذا الاسم هو اسم المؤسسة التي أنشأها البروفيسور جوبتا؛ والتي ترتكز على أن الخلية الجماعية – مثل خلية النحل – تُبنى بالموارد التي يمتكلها الشعب الهندي مهما كان حجمها صغير.

طبيعة عمل المؤسسة هي مساحة لإحصاء كافة الابتكارات والاختراعات البسيطة للفقراء في الهند وحول العالم، حيث يُصبح بمقدور الفرد عرض ابتكاره ومواهبه على مُتخصصين ومشرفين علميين في المؤسسة؛ ليتم اعتماده بشكلٍ رسمي كبراءة اختراع مُسجّله باسمه، حتى وإن كان خارج الهند.

كما تعمل المؤسسة على تدريب وتعليم هؤلاء الفقراء بشكلٍ تطوعي في مجالات التعليم والثقافة والفنون والمؤسسات والابداع التكنولوجي؛ كي يستطيعوا التأقلم والتكيّف قدر الإمكان في حياتهم البسيطة.
الثمار التي جناها الدكتور جوبتا من رحلته

أصبحت المؤسسة تعمل بشكلٍ ممتاز على الصعيد المحلي والعالمي أيضًا، وقام القائمون عليها برسم خريطة تُظهر جمال وإبداع العقول في المناطق الفقيرة حول العالم وفي الهند.. يُمكننا ذكر بعض النماذج التي احتضنتها هذه المؤسسة كالآتي:-
في الفنون؛ وجدوا سيدة في منطقة قبلية تستخدم روث الحيوانات المجفف لصنع لوحة فنية.
رجل يدعى «رودجان» من موتيهاري في منطقة شامباران عرض اختراعه على المؤسسة؛ وهو عبارة عن تحويل قدر ضغط عادي ليعمل كآلة لصنع قهوة الاسبريسو.
«شيخ جاهانجير» رجل كان ابتكاره هو صنع ماكينة طحن صغيرة مُثبّتة على درّاجة تتسع لنصف كيلو جرام، أو كيلو جرام من الحبوب لتحويلها إلى دقيق. هذه الآلة ضرورية في حياتهم حيث أن المصانع المتخصصة في طحن الحبوب لن تقبل بتلك الكمية القليلة.
«سعدالله صاحب» شيخٌ من موتيهاري في شامباران في الـ70 من عمره؛ عرض ابتكاره وهو عبارة عن دراجة مائية تعمل بدلًا من الزوارق وبطريقة عمل الدراجة العادية يستخدمها للتنزه وقتما يشاء.

يقول هذا الشيخ بشيءٍ من الفُكاهة؛ أن هذا الابتكار أثبت لزوجته «نور» أن الحياة مرتبطة بالابتكارات، وأن الابتكارات نفسها أصبحت هوسًا له في الحياة!
«أباشان» رجل ابتكر آلة تعمل على تسلّق الأشجار بسهولة؛ حيث يستخدمها المزارعون جامعوا التمر وثمار جوز الهند بدلًا من الطرق العادية في التسلق. الجميل في هذا الابتكار أنه تم بيعه عالميًا باسم صاحبه والمؤسسة بنموذج عالمي يُدعى «g2g» والذي يعني: من الجذور إلى العالمية.

بطبيعة الحال؛ ليست هذه كافة الابتكارات التي تبنّتها المؤسسة، وهذه القصة رواها البروفيسور «أنيل جوبتا» في إحدى محاضرات TED والتي يُمكن مشاهدتها كاملة ومترجمة باللغة العربية من خلال هذا الرابط.. كما يمكنكم زيارة الموقع الرسمي للمؤسسة هنا.
google-playkhamsatmostaqltradent