random
آخر التقارير

تقنية كريسبر للتعديل الجيني crisper cas9


بينما يهتم العالم بأداة التحرير الجيني التي أحدثت ثورة في التقنية الحيوية، هناك أسئلة أساسية تتعلق بطريقة عملها ومصدر نشأتها لا تزال بحاجة إلى إجابة. لم يكن فرانسيسكو موخيكا أول مَن رأى كريسبر (CRISPR)، إلا أنه ربما يكون أول مَن افتتن به. يتذكر موخيكا ذلك اليوم في العام 1992 حين ألقى نظرته الأولى على الجهاز المناعي الميكروبي الذي كان بصدد إحداث ثورة في التقنية الحيوية. (المصدر)

حينها كان يستعرض بيانات تتابُع الجينوم لميكروب "هالوفيراكس ميديتيراني" "Haloferax mediterranei" المحب للملح، ولاحظ وجود 14 تتابعًا غير عادي من تتابُعات الحمض النووي. يبلغ طول كل تتابُع منها 30 قاعدة، ويمكن قراءتها بنفس الترتيب من أي طرف. وهي تتكرر كل 35 قاعدة أو نحو ذلك. ثم ما لبث أن رأى الكثير منها. أثار هذا الأمر دهشة موخيكا الذي جعل من هذه التكرارات محور أبحاثه في جامعة أليكانتي في إسبانيا.

لم يحظ قرار موخيكا بتأييد كبير، فقد مرت سنوات على مختبره من دون تلقي أي دعم مادي. وكان يبحث في الاجتماعات عن أبرز العلماء ليتعرف على وجهات نظرهم في تلك التكرارات الصغيرة الغريبة، بيد أنهم كانوا يحذرونه قائلين: "لا تشغل بالك كثيرًا بهذه التكرارات، نعرف منذ سنوات أن هناك الكثير منها في العديد من الكائنات الحية ولا نعرف نسبة التكرارات النشطة منها".

واليوم بتنا نعرف الكثير عن تقنية "كريسبر"، وهي التكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد، والتي تعزز النظام المناعي الميكروبي لكريسبر-كاس "CRISPR-Cas" لتدمير الفيروسات المهاجمة. وبالرغم من تقدير معظم العاملين في مجال الطب الحيوي لآليات النظام -وبخاصة للنسخة المسماة بـكريسبر-كاس 9-من حيث الاستعانة بها في تحرير الجينات، لا يزال موخيكا وعلماء الأحياء المجهرية منشغلين بتساؤلات أساسية عدة تتعلق بالنظام، وطريقة عمله، وكيفية تطوُّره، وإسهامه في تشكيل التطوُّر الميكروبي، وسبب استخدام بعض الميكروبات له في حين لا تستخدمه أنواع أخرى منها، وهل من الممكن أن تكون له أدوار أخرى لم تبرُز بعد في نظامها البيولوجي الأساسي؟

تقول جينيفر دودنا -عالِمة البيولوجيا الجزيئية بجامعة كاليفورنيا بولاية بيركلي، والتي كانت من أوائل العلماء الذين كشفوا عن براعة "كريسبر-كاس" كأداة للتحرير الجيني-: "إن جُل الاهتمام الذي حظيت به أنظمة "كريسبر" في وسائل الإعلام يدور حول استخدامه كتقنية، وهو بالطبع اهتمام مبرر، وذلك بما شهدناه لها من تأثيرات وفرص كبيرة، لكننا بحاجة في الوقت نفسه لإجراء الكثير من البحوث البيولوجية الأساسية المثيرة للاهتمام".

من أين جاءت "كريسبر"؟

إن المميزات البيولوجية لنظام مثل "كريسبر-كاس" ظاهرة للعيان، إذ إن الكائنات بدائية النواة -كالبكتيريا والأحياء المجهرية وحيدة الخلية الأقل شهرة المسماة بالجراثيم العتيقة، والتي يعيش معظمها في بيئات قاسية- تواجه هجمات مستمرة من الفيروسات الجينية المُغيرة؛ فالفيروسات تفوق أعدادُها أعدادَ الكائنات بدائية النواة بنسبة عشرة إلى واحد، ويُقال إنها تقضي على نصف البكتيريا الموجودة في العالم كل يومين، كما تتبادل الكائنات بدائية النواة جزيئات من الحمض النووي تسمى البلازميدات "plasmids" والتي قد تكون طفيلية -تستنزف الموارد من حاملها وتجبره على تدمير ذاته إذا ما حاول طرد محتوياته الطفيلية الجزيئية. ويبدو أنه لا مكان آمنًا على كوكب الأرض -ابتداءً من تربته مرورًا ببحاره ووصولًا إلى أكثر الأماكن قسوةً عليه- إلا ويعج بالفيروسات الجينية المُغيرة.

طوّرت الكائنات بدائية النواة عددًا كبيرًا من الأسلحة الدفاعية لمواجهة تلك التهديدات، فإنزيمات القطع -على سبيل المثال- ليست إلا بروتينات تعمل على قطع الحمض النووي عند تتابُع معين أو بالقرب منه. إلا أن هذه الوسائل الدفاعية غير مجدية، فكل إنزيم مبرمَج للتعرُّف على تتابعات معينة، ولا يحظى الميكروب بالحماية إلا إذا كانت لديه نسخة من الجين المناسب. ويُعَد كريسبر-كاس أكثر فاعلية؛ إذ يتكيف مع بعض الفيروسات الجينية المُغيرة ويتذكرها بالطريقة نفسها التي توفر بها الأجسام المضادة مناعة طويلة الأمد بعد الإصابة بعدوى. ويقول جون فان دير أوست -أخصائي الأحياء المجهرية بجامعة فاخينينجن بهولندا-: "عندما سمعنا عن هذه الفرضية للمرة الأولى، ظننَّا أنها طريقة متطورة للغاية لكائنات بدائية النواة بسيطة".

اكتشف موخيكا وآخرون وظيفة كريسبر-كاس حين لاحظوا أن الحمض النووي في الفراغات التي بين تكرارات كريسبر المتعاقبة قد يتوافق في بعض الأحيان مع التتابُعات في جينومات فيروسية. ومنذ ذلك الحين، استنتج العلماء أن البروتينات المرتبطة بكريسبر-كاس تضيف هذه التتابُعات المباعدة إلى الجينوم بعد تعرُّض البكتيريا والجراثيم العتيقة لهجمات من فيروسات أو بلازميدات معينة. ويوجِّه الحمض النووي الريبي (RNA) المتكوِّن من هذه الفراغات بروتينات كاس الأخرى إلى تدمير أي حمض نووي أو حمض نووي ريبي مهاجم يحاول الالتصاق بالتتابع (انظر: "الحماية المستمرة").

كيف نجحت البكتيريا والجراثيم العتيقة في امتلاك هذه الأنظمة المناعية المتطورة؟ هذا السؤال لم يجد إجابة حتى الآن، إلا أن النظرية السائدة تقول بأن تلك الأنظمة أصلها من الينقولات "Transposons" –وهي القافزات أو "الجينات القافزة" التي يمكنها التنقُّل من موضع إلى آخر داخل الجينوم. وقد اكتشف يوجين كونين الباحث في الأحياء التطورية مع زملائه، في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية في بيثيسدا بولاية مريلاند، أن مجموعة من هذه العناصر الوراثية المتنقلة تعمل على تشفير البروتين كاس-1 الذي يشارك في إدخال المباعدات في الجينوم. كما استنتج أن تلك المجموعة الفريدة من "الينقولات" Capsosons قد تكون هي مصدر مناعة كريسبر-كاس. ويعمل الباحثون في الوقت الحالي على معرفة كيفية انتقال هذه الأجزاء من الحمض النووي من موضع إلى آخر- ثم رصد كيفية إسهام هذه الآلية في ما يتسم به كريسبر-كاس من تعقيد كبير.

كيف يعمل كريسبر؟

كشفت السنوات الأخيرة عن المزيد من التفاصيل الجزيئية بخصوص طريقة إضافة بروتينات كاس للمباعدات, إلا أن الحمض النووي الفيروسي يتطابق تقريبًا مع الحمض النووي المضيف من الناحية الكيميائية. فكيف تتعرف البروتينات في خلية مكتظّة بالأحماض النووية على الحمض النووي المراد إضافته لذاكرة كريسبر-كاس؟

إن المخاطر كبيرة؛ ففي حالة إضافة البكتيريا جزءًا من حمضها النووي قد تتعرض للهلاك بفعل المناعة الذاتية. يقول فيرجينيجوس سيكسنيز -الباحث في الكيمياء الحيوية بجامعة فيلنيوس بليتوانيا-: "هذه الإنزيمات سلاحٌ ذو حدين".

ويضيف رودولف بارانجو -عالِم الميكروبيولوجيا بجامعة نورث كارولينا- قائلًا: "قد يتسرب لهذه التجمعات البكتيرية والجرثومية العتيقة بعض الأخطاء، فلا يضر انتحار عدد قليل من الخلايا إذا ما أسهَم ذلك في بقاء خلايا أخرى على قيد الحياة بعد التعرُّض لهجوم فيروسي.

وفي الحقيقة، فإن الفيروسات حين تتسلل إلى نظام بيئي بكتيري، لن تتمكن إلا بكتيريا واحدة من بين 10 ملايين بكتيريا من الحصول على مباعد يمكّنها من الدفاع عن نفسها. وهذه الاحتمالات تصعِّب من دراسة ما يدفع الخلية للحصول على ذلك المباعد، ومعرفة سبب نجاح إحدى الخلايا في ذلك وفشل البقية. ويقول لوتشيانو مارافيني -عالِم الميكروبيولوجيا في جامعة روكفلر بمدينة نيويورك-: "من الصعب اكتشاف تلك البكتيريا في أثناء حدوث ذلك".

وربما يفيد في هذا الشأن الوقوف على كيفية التعرُّف على المباعدات المناسبة وتعزيز المعدل الذي تندمج عنده تلك المباعدات. وقد كشفت بعض الأبحاث أن الخلايا التي تحتوي على آلية كريسبر-كاس قد تعمل كجهاز لتسجيل الأنواع وفهرسة تتابعات الحمض النووي منقوص الأكسجين (DNA) والحمض النووي الريبي RNA التي تقع تحت أيدي الباحثين. هذا قد يتيح لهم تتبُّع التعبير الجيني لخلية ما أو تعرُّضها للمواد الكيميائية البيئية على مر الزمان.

كما يود الباحثون أيضًا معرفة كيفية إزالة الذاكرات القديمة من المجموعة، فمعظم الميكروبات التي بها أنظمة كريسبر-كاس لا تضم سوى مجموعة قليلة من المباعدات؛ بل إن بعضها لا يتضمن سوى مباعدة واحدة. ومن ناحية أخرى، تُخصص الجراثيم العتيقة من فئة Sulfolobus tokodaii نسبة 1% من مخزونها الوراثي لأنظمة كريسبر-كاس 5، التي تشمل 458 مباعدة.

ليس هناك ما يحفز للتمسك بالمباعدات القديمة؛ فإذا تحوَّر فيروس لتفادي كريسبر-كاس، ستصير المباعدة غير مجدية، بل قد يشكل الاحتفاظ بفائض من الأحماض النووية عبئًا على الميكروبات. يقول روتيم سوريك -عالِم الوراثة بمعهد وايزمان للعلوم في رحوفوت بإسرائيل-: "لا يمكن للبكتيريا أن تزيد جينومها للأبد".

ما الدور الذي يمكن أن يؤديه كريسبر؟

يمثل أصل بعض المباعدات لغزًا، لا سيما وأن أقل من 3% من المباعدات التي رُصدت حتى الآن تتطابق مع أي تتابُعات معروفة في قواعد بيانات الأحماض النووية.

قد يعكس ذلك قلة معلوماتنا عن الفيروسات؛ إذ إن معظم الجهود المبذولة في دراسة التتابُعات تركز على الفيروسات التي تصيب البشر أو الماشية أو المحاصيل. وفي هذا الصدد يقول ميشيل تيرنز -الباحث في أحياء الحمض النووي الريبي بجامعة جورجيا في مدينة أثنز-: "إننا لا نعلم إلا القليل عن أعداء البكتيريا، لا سيما أعداء الجراثيم العتيقة المجنونة".

من المحتمل أيضًا أن تكون بعض المباعدات مجرد أشباح لفيروسات لم تعد موجودة أو أنها تحوَّرت فبات من الصعب التعرُّف عليها. ولكن هناك فرضية ثالثة تلوح في الأفق؛ إذ اكتشف الباحثون نماذج من أنظمة كريسبر-كاس لا ينحصر عملها في تفادي المتسللات الوراثية. ففي بعض أنواع البكتيريا تتحكم مكوِّنات كريسبر-كاس في عمليات إصلاح الحمض النووي والتعبير الوراثي وتكوين الأغشية الحيوية، كما يمكنها أيضًا الحد من قدرة البكتيريا على إصابة الآخرين، ومن ذلك بكتيريا الفيلقية المستروحة "Legionella pneumophila" المسببة لداء الفيلقيات "Legionnaires’ disease"، والتي يجب أن تحتوي على بروتين كاس من فئة "كاس2" لإصابة الأميبا التي تُعَد الكائن المضيف المعتاد لها. ويقول إريك سونثيمر -أخصائي الأحياء الجزيئية بكلية الطب بجامعة ماساتشوستس في مدينة ورسستر-: "إن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما كم الأحياء التي تتجاوز مرحلة الدفاع. فهذا جانب يحتاج إلى مزيد من البحث في الأعوام المقبلة".

ويضيف سونثيمر أن ذلك يُحدِث توازيًا مغريًا مع اكتشاف تداخُل الحمض النووي الريبي، وهو نظام يخمد نشاط التعبير الوراثي في النباتات، والحيوانات، والكائنات الأخرى غير بدائية النواة. كما كان يُظَنُّ سابقًا أن تداخُل الحمض النووي الريبي يعمل كآلية دفاعية مبكرة، واكتشف الباحثون فيما بعد دوره في تنظيم التعبير الوراثي للمضيف.

وهذا قد يفسر أيضًا سبب عدم مطابقة بعض المباعدات للفيروسات أو البلازميدات المعروفة، على حد قول ستان برونس، الباحث في الأحياء المجهرية بجامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، والذي استطرد قائلًا: "هذه الأنظمة ليست مثالية؛ إذ إنها تمسك بالحمض النووي الفيروسي وكذلك بالحمض النووي لها، وبمجرد سحبها لأجزاء جديدة من الحمض النووي، فإنها تكتسب وظائف جديدة -إن لم تمت".

لماذا لا يستخدمه سوى بعض الميكروبات؟

أيًّا كانت الوظائف التي يؤديها كريسبر-كاس، فمن الواضح أن بعض الميكروبات تستفيد منه أكثر من غيرها. فوفق كونين، يتمتع ما يزيد على 90% من الجراثيم العتيقة بمناعة معتمدة على كريسبر، وهو الأمر الذي ينطبق على ثلث أنواع البكتيريا المتتابعة فقط، ولم تُرصَد أية مشكلة على الإطلاق مع كريسبر-كاس في الكائنات غير بدائية النواة، بما في ذلك الكائنات وحيدة الخلية منها.

تعيش إحدى الجراثيم العتيقة المسماة بالقزم البدائي الراكب "Nanoarchaeum equitans" كطفيلي على إحدى الجراثيم العتيقة الأخرى بالقرب من المياه التي توشك على الغليان، وقد استغنت عن العديد من جيناتها المتخصصة في إنتاج الطاقة وتدبير الاحتياجات الخلوية العامة. وقد كشف المحتوى متناهي الصغر لجرثومة القزم البدائي الراكب المكون من 490.000 حرف أنها مزودة بكريسبر-كاس يضم قرابة 30 مباعدًا. فيما يقول مالكوم وايت -عالِم الميكروبيولوجيا بجامعة سانت أندروز بالمملكة المتحدة-: "إن جزءًا كبيرًا من مخزونها الوراثي ما زال مخصصًا لكريسبر الذي يمثل أهمية كبيرة، بيد أننا لا نعرف السبب وراء ذلك حتى الآن".

ومن جانبه، يقول إيتز ويسترا -عالِم الميكروبيولوجيا بجامعة إكستر في بينرين بالمملكة المتحدة- إن تلك الاختلافات تلمّح إلى وجود عوامل بيئية رئيسة تفضل أنظمة كريسبر-كاس، وتثمِّن الدفاع الفيروسي أو المزايا الأخرى –على خطر الانتحار الخلوي. ويبدو أن البيئات القاسية تفضل أنظمة كريسبر-كاس، إلا أن ويسترا لاحظ أن وجود هذه الأنظمة يختلف بين أنواع البكتيريا في الموائل الأكثر تقبُّلًا لها. فعلى سبيل المثال، تتخلص المفطورة المُنتِنَة "Mycoplasma gallisepticum" التي تصيب الطيور من آليات كريسبر-كاس عندما تنتقل من الدجاج إلى طيور البرقش البرية، ويتساءل ويسترا: لماذا يفيد النظام الدجاج بينما لا يفيد طائر البرقش؟ وهل خمن أي أحد السبب؟

"السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما كم الأحياء التي تتجاوز مرحلة الدفاع؟"

تشير النماذج الرياضية، وبعض التجارب المعملية المبكرة إلى إمكانية تحقيق استفادة أكبر من كريسبر-كاس حين تكون هناك أنواع قليلة من الفيروسات لمواجهتها، كما يمكن لمباعدات كريسبر-كاس تسجيل عدد محدود من التتابعات الفيروسية قبل أن يصير الحمض النووي المدمج عبئًا جينوميًّا عليها.

ووفق كونين إذا زاد تنوُّع الفيروسات في البيئة عن عدد المباعدات الممكنة زيادة كبيرة، فقد تكون أنظمة كريسبر-كاس قليلة الفائدة. فيما يوجد احتمال آخر مفاده أن الجراثيم العتيقة في البيئات القاسية لا يمكنها أن تعتمد بقوة على وسائل الدفاع الأخرى. تتمثل إحدى الطرق الشائعة التي تستخدمها البكتيريا في إحباط العناصر المغيرة في إحداث تحوُّر للبروتينات الكائنة على غلافها الخارجي المسمى بالغشاء. ومع ذلك، فإن بعض الجراثيم العتيقة قد لا تتاح لها الحرية الكافية للتعامل مع هذه الأغشية؛ نظرًا لأن بنية هذا الغلاف تمثِّل أهمية كبرى لبقاء الكائنات الحية التي تعيش في ظروف قاسية. ويقول موخيكا: "إن هذا يجعل من الأنظمة البديلة كنظام كريسبر أكثر أهمية".

كم عدد أنواع كريسبر-كاس؟

ينصب اهتمام الناس على نظام كريسبر-كاس 9، الذي يتميز ببساطته وتنوُّعه في التحرير الجيني، لكن الميكروبات لا تفضل شيئًا بعينه، بل على العكس تميل إلى مزج الأنظمة المختلفة والتوفيق بينها، وسرعة اختيار الأنظمة الجديدة من البكتيريا الأخرى والتخلُّص من القديمة.

تعرف الباحثون رسميًّا على 6 أنواع مختلفة من نظام كريسبر تضم 19 نوعًا فرعيًّا، يقول مارافيني: "إننا حقًّا لا نعرف سوى كيفية عمل جزء منها".

إن فك طلاسم تلك الآليات قد يفتح لنا أبواب الكشف عن تطبيقات جديدة في مجال التقنية الحيوية لأنظمة كريسبر-كاس، إذ تنتمي أنظمة كريسبر-كاس 9 -على سبيل المثال- إلى النوع الثاني من الأنظمة وهو الذي يستخدم جزيئات الحمض النووي الريبي المنسوخة من المتتابعات المباعدة، لتوجيه إنزيم يقطع الحمض النووي الفيروسي أو الحلقي (البلازميد) المهاجم (انظر: الحماية الدائمة)، إلا أن الإنزيمات في النوع السادس من الأنظمة –التي اكتُشِفت العام الماضي تقطع الحمض النووي الريبي لا الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين، ويحتوي النوع الرابع من الأنظمة على بعض الجينات المرتبطة بكريسبر-كاس، ولكنه يفتقر إلى التكرارات وآلية إدراج المباعدات.

يُعَد النوع الثالث من أكثر أنظمة كريسبر-كاس توافُرًا في الطبيعة ومع هذا لا نعرف عنه إلا القليل. وتشير الأدلة القائمة إلى أن هذه الأنظمة لا تواجه الأحماض النووية الريبية منقوصة الأكسجين أو الأحماض النووية الريبية المهاجمة، لكنها تستجيب لعملية نسخ الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين إلى حمض نووي ريبي. تقول دودنا إنه إذا كان الأمر كذلك، فسيكون ذلك بمنزلة شكل جديد من التنظيم يزيد من مجموعة أدوات كريسبر-كاس لتحرير الجيني".

قد تظهر أنظمة أخرى، لا سيما بعد أن توسع الباحثون في دراسة ما وراء الميكروبات التي تنمو في المزارع، لتشمل أعمالهم التتابعات الوراثية المأخوذة من عينات بيئية للحمض النووي. ويقول فان دير أوست: "قلنا أكثر من مرة إننا انتهينا من البحث قبل أن نُفاجَأ بظهور نظام جديد من أنظمة كريسبر-كاس".

وبالنسبة لموخيكا فإن تنوُّع أنظمة كريسبر والإجابة عن الأسئلة الأساسية بشأنها تمثل مصدر إغراء أكبر له من الثورة التي أحدثتها، الأمر الذي يحيّر زملاءه، على حد قوله. ويعكف موخيكا منذ أكثر من ربع قرن على دراسة بيولوجيا كريسبر-كاس، وبالرغم من أن التمويل الوفير متاح للراغبين في التحرير الجيني، إلا أن نوعية الأبحاث التي يضطلع بها موخيكا تعاني ضعف التمويل. ويقول موخيكا: "أدرك أنها أداة مثالية ورائعة يمكن استخدامها في علاج الأمراض، إلا أن ذلك ليس اختصاصي، فأنا مهتم بمعرفة كيفية عمل النظام من البداية وحتى النهاية".


المصدر : نيتشر بالعربية , TED
google-playkhamsatmostaqltradent