“افلام الكارتون” عند ذكر هاتين الكلمتين يتبادر الى الذهن توم وجيري او ميكي ماوس وما شابه ذلك. بالإضافة الى ارتباط افلام الكارتون بالأطفال دائماً، فالمراهقون نادراً ما يشاهدون افلام الكارتون، كي لا يوصمون بالطفولية، مع وجود بعض الاستثناءات طبعاُ، وخصوصاً لدى الفتيات.
افلام الكارتون في وقتنا الحالي نادراً ما تقدم فكرة مفيدة، فأغلبها يتميز بطابع قتالي أو هزلي. وللخيال العلمي نصيب كبير جداً ضمن ما يعرض في التلفاز ويغذي ملايين العقول.
لكن المسلسل الكارتوني الذي سنعرضه هنا يختلف كثيراً، “مذكرة الموت _ Death Note” وهذا هو اسمه، يتكون من 35 حلقة، وهو ياباني المنشأ.شخصيات الكارتون
الفكرة العامة لـ “مذكرة الموت”
من حسن الحظ ان طالب الثانوية المتفوق “لايت” هو الذي وجدها، وذلك لأنه يكره ما يحصل في العالم من فساد وظلم. في البداية لم يعرها أية اهمية، ولكن بعد ان جربها اكثر من مرة تأكد من صدق ما كتب عليها، فقد وضع ملاك الموت “ريوك” مجموعة من التعليمات داخلها وبمجرد اتباعها وكتابة اسم الشخص المراد موته، سيموت بعد مرور فترة زمنية محددة.
عندما جرب “لايت” مذكرة الموت لأول مرة ـ وهو لا يزال غير مقتنع ـ تساءل قائلاً “ماذا لو مات احدهم فعلاً؟ هل هذا يجعل مني قاتلاً؟” ولكنه تلافى اشكالية هذا السؤال باستحالة صدق الموجود في المذكرة، حتى جربها وصدم بما حصل.
“لايت” لا يضع الا اسماء المجرمين والقتلة، في بادئ الامر عانى من فكرة كونه غير مؤهل للحكم على الناس ومعاقبتهم، ولكن سرعان ما ساير دوافعه الدفينة، حيث تتملكه رغبة في التخلص من كل الفاسدين، وبما ان والده رئيس شرطة فهو يطمح الى ان يكون ضابطاً، فلهذا يريد تغيير العالم وإرساء دعائم مجتمع عادل، ولكن مذكرة الموت توهمه بأنه حاكم للعالم كالآلهة.
الابقاء على لهفة المشاهد
وسبب ذلك يعود الى عدم رغبتنا في وأد اللهفة لمن سيشاهد هذا المسلسل الكارتوني بعد قراءة المقال، فكما هو الحال في جميع الروايات، القصص، الافلام، والمسلسلات. فان افلام الكارتون تتميز بجمالية المجهول الذي ينتظره المشاهد ويواصل متابعة حلقات اخرى كثيرة من أجل الظفر بالمعنى الكامل للمسلسل.
زيارة ملك الموت "ريوك"
“في اللحظة التي تهبط فيها المفكرة الى عالم البشر، فأنها تصبح لك الآن.” هذا ما قاله الملاك “ريوك” لـ “لايت”.
ولكن “لايت” كان يريد معرفة الضريبة او العواقب التي ستحصل له عند استخدام مفكرة الموت، ولذلك اخبره “ريوك”: “ان ضريبة استخدام المذكرة هي: الرعب وعذاب الضمير.”
فالقتل ليس امراً يسيراً لكل البشر، فحسب بعض نظريات علم الاجرام (كالتفسير البايولوجي للجريمة وخصوصاً نظرية الطبيب لومبروزو) قد يكون القتل مقتصراً على افراد ذوي خصائص معينة، ومن لا يملك هذه الخصائص فمن الصعب ان يقتَل.
ان تغيرت ظروفنا وامكانياتنا فماذا يحدث لنا؟
وهو ما يعضده قول ابراهام لنكولن: ” معظم الرجال تقريبا يمكنهم تحمل الصعاب، لكن إن أردت اختبار معدن رجل فاجعل له سلطة.”
اذا ما تسلم شخص معين منصباً ادارياً مرموقاً، او اصبح رئيساً يملك نفوذاً كبيراً، او حتى مقداراً اقل من السلطة، فان اقرب الناس سيتعجبون من التغييرات التي ستطرأ عليه وعلى تصرفاته. سيحدث الامر فجأةً وبدون مقدمات، وسيغدو التعرف عليه من جديد صعباً ومربكاً!
شخصيته لم تتغير ولكن الظروف التي تحيط به قد قولبته وفق معاييرها التي لا يستطيع ان يفر منها، والطريف في الامر ان المحيطين بهذا الشخص سيغيرون من طريقة تعاملهم معه ايضا! ولتأكيد ذلك ننقل ما ذكره ديفيد باس في كتابه علم النفس التطوري ص 154
“خسر رجل من قبيلة سيريونو شرق بوليفيا، وكان صياداً فاشلاً جداً، عدة زوجات لصالح رجال كانوا أكثر مهارة منه في الصيد. ولقد عانى من خسارة مكانته ضمن الجماعة لأنه كان صياداً فاشلاً، ولأنه خسر زوجاته لصالح رجال آخرين. قام عالم الانتروبولوجيا أ.ر. هولمبرغ بالصيد مع هذا الصياد، فأعطاء طريدة ومن ثم أخبر الرجال الآخرين أن الرجل اصطادها، وعلمه فن قتل الطرائد بإطلاق النار. وفي نهاية النطاف، ونتجة تزايد نجاح الرجل في الصيد، حظي بارتفاع مكانته الاجتماعية، وجذب عدة نساء كزوجات، وراح يكيل الشتائم للآخرين بعد أن كان ضحية الشتائم.”
لكن القدرة الموجود في هذه المذكرة من نوع اخر، فالأمر بكل بساطة انك تملك مذكرة صغيرة تستطيع ان تكتب بها اسم من تشاء لتتخلص منه، هذه القدرة ليست بالأمر الهين كما تبدو للوهلة الاولى.
تجارب علمية عديدة اثبتت عمق الضرر الذي سنلحقه لو امتلكنا سلطة على غيرنا، مثل تجربة العالم ستانلي ميلغرام او تجربة العالم فيليب زمباردو.
تجربة سجن ستانفورد
أخذ بعض الطلبة دور السجناء والبعض الآخر دور الحراس، واعطى الباحثون للطلاب، ملابس جديدة وأرقاما بدل الاسماء، بالإضافة الى اسماء فئوية مثل “السيد الضابط التأديبي” وللحراس اعطوا نظارات شمسية لها بريق المرايا.
والهدف من هذا الفعل هو تجريد الطلاب مما يتفردون في الظاهر ويتميزون به.
كان مقدراً للتجربة ان تستمر لمدة أسبوعين، ولكنهم انهوها بعد مرور ستة ايام فقط! والسبب في ذلك هو الافعال وردود الافعال التي حدثت في هذه التجربة، حيث قام الحراس ـ وهم طلاب طبيعيون واصحاء ـ بإيقاع أقسى انواع العقوبات والتلذذ بالسلوك العنيف، اما من جانب السجناء فقد تعرض العديد منهم لضغوط جمة الى درجة الاصابة بانهيار عصبي!
(للتوسع في هذه التجربة، يمكن مراجعة كتاب الذرة الاجتماعية ـ مارك بوكانان.)
عندما تختلف مصاديق الخير والشر
“إل” متحر او شرطي متخف دائماً، وهو غريب الاطوار جداً، لا احد يعرف عنه شيئاً ولكنه حاد الذكاء ويستطيع الوصول الى نتائج مبهرة من خلال الربط بين المعطيات المختلفة، وهو لا يختار إلا القضايا التي تثير اهتمامه، ومن سوء حظ “لايت” ان الموت المفاجئ للمجرمين لفت نظر “إل” مما حدا به الى التحقيق في القضية.
وبسبب هذا التضارب الحاد، فكل من “لايت” و “إل” يحاولان قتل بعضهما، المشكلة انهما لا يعلمان اي شيء عن بعضهما سوى الاسم المستعار لكل منهما.
ما يلاحظ على “لايت” انه اصيب بالغرور وتطبع بما يفعله الى درجة انه يحاول الوصول الى معرفة “إل”
من أجل قتله، وسبب ذلك كله هو التحدي فقط. يضاف الى هذا قتله لأغلب العملاء الفيدراليين الذين يحققون في قضيته.
هذا يوحي بأن الانسان لا يستطيع التعالي على غروره وغرائزه الاخرى، فحتى لو كان هدف “لايت” سامياً، وهو التخلص من الشر الموجود في نفوس العديد من المجرمين، إلا انه يقع فريسة انانيته وحب ذاته، حيث انه يعيش في فترة ما بعد المراهقة بقليل، ولهذا يكره الخسارة بقوة وينزعج من فكرة ان “إل” يتحداه وهو المتفوق في كل شيء.
كيرا .. مطبق العدالة والمتعالي على القانون
وقد تعددت الشخصيات التي حصلت على “مذكرة الموت” وبالتالي تعددت شخصية “كيرا”. وهذا ما جعل الاراء تتباين بشأن “كيرا”، ولكن الشكوك كانت دائماً تدور حول “لايت” على الرغم من محاولاته العديدة لابعاد الشبهات عنه.
مما لا شك فيه ان عمل “كيرا” يقع خارج نطاق القانون، ولهذا تمت مطاردته من قبل السلطات الامنية، فرغم كونه لا يقتل إلا المجرمين غير ان هذا الامر لا يعطيه الصلاحية لقتلهم، فليس كل المجرمين متباهين بما فعلوا او انهم قاموا به بكامل ارادتهم.
بعض اقوال بطل الكارتون “لايت”:
- “لا استطيع تحمل اضاعة الوقت، لا استطيع أن اكتب اسماءً في المذكرة إلا لوقت محدود كل يوم، من قدومي من المدرسة حتى وقت النوم ومن المهم جداً ان احافظ على درجاتي في القمة كما هي دائماً، لا استطيع النوم في الفصل وعلي ان اتأكد من ان ادرس جيداً في المنزل والمدرسة معاً، والحرمان من النوم سيء ايضا، صحتي وقدراتي الادراكية سوف تعانيان من ذلك، سوف احول هذا العالم الى عالم مثالي بدون شر، ومهما كان الوقت الذي لدي فانه غير كاف.”
- “لا يوجد من البشر من لم يكذب ابداً، لا احد من الناس يستطيع ان يكون مثالياً، الكل يكذب.”
- “في المجتمعات الانسانية، هناك القليل جداً ممن يثقون ببعضهم البعض.”
- “انظر حولك، وكل من تراهم هم اشخاص سيكون العالم افضل من دونهم.”
- ويقول ايضاً ما معناه: ان نقاشات حول جواز قتل المجرمين لا تحدث في المدارس وان حدثت فان الجميع سيقفون ضد قتل المجرم، بالنسبة لـ”لايت” هذا الموقف صحيح سياسياً وهو يطرح في العلن فقط ولكن في داخل الانسان فالعكس هو الصحيح.