سيجموند فرويد (6 آذار/مايو 1856-23 أيلول/سبتمبر 1939) مؤسّس علم التحليل النفسي (أحد طرق العلاج السريري الّتي يتحدث فيها المريض إلى المعالج النفسي).
بالرغم من إثارة أفكاره للجدل إلّا أنّ فرويد كان أحد أكثر العلماء تأثيرًا في مجالَيْ علم النفس والطب النفسي. وبالرغم من مُضي مئة عام على نشرها، إلّا أنّ نظريات فرويد ما تزال تؤثر في فهمنا للشخصية والعقل.
حياته:
وُلِدَ فرويد لأبوين يهوديّين، هما جايكوب الّذي عمل كتاجر صوف وإميليا الّتي كانت زوجته الثانية، في السادس من آذار/مايو 1856 شهدت مدينة فرايبرج مولد سيجموند شلومو فرويد بمقاطعة مورافيا بالإمبراطورية النمساوية المجرية، تُعرف المدينة الآن باسم بريبور وتقع في جمهورية التشيك.
قضى فرويد معظم سنوات حياته ونشأته بفيينا، حتى زواجه بمارثا بارنز عام 1886، وأثمر الزواج عن ست أطفال، منهم ابنته آن فرويد الّتي أصبحت لاحقًا محللة نفسية متميزة.
في عام 1909، سافر فرويد إلى الولايات المتحدة لعرض نظرياته بجامعة كلارك بماساتشوستس. كانت هذه المحاضرة الأولى الّتي يلقيها خارج فيينا.
حتى هذه اللحظة، كان فرويد ذائع الصيت بالرغم من توجهه العلماني.
في عام 1923 وبعمر السابعة والستين، شُخّص فرويد بسرطان الفك كنتيجة حتمية لسنوات عدة من تدخين السجائر. تضمن علاجه إجراء 30 عملية على مدى ستة عشر عامًا تالية، وفقا للبرنامج التليفزيوني «public broadcasting service» في حلقة «A Science Odyssey».
عاش فرويد بفيينا حتى احتلالها من قِبل الألمان عام 1938. بالرغم من كونه يهوديًا ألّا أنّ شهرته أنقذت عنقه معظم الوقت. فقد قام الحزب النازي بحرق مؤلّفاته على امتداد ألمانيا، لكنّهم سمحوا له بمغادرة النمسا بعد مصادرة جواز سفره لفترة. وسافر فرويد مع زوجته إلى إنجلترا، وتوفي بها في سبتمبر 1939.
مؤلفاته:
في عام 1873، التحق فرويد بعمر السابعة عشر بمدرسة الطب بجامعة فيينا. وبحلول عام 1882 أصبح مساعدًا بعيادة المستشفى العام وتدرب مع الطبيب النفسي ثيودور مايرنت وأستاذ طب الأمراض الباطنة هيرمان نتناجل. بعد ثلاث أعوام كان فرويد قد أتمّ بحثًا هامًّا حول نخاع الدماغ (brain’s medulla) وعُيِنَ محاضرًا لعلم الأمراض العصبية، طبقًا للموسوعة البريطانية.
حَظِىَ فرويد بصداقة الفيزيائي وعالم الفسيولوجيا جوزيف بروير، لعبت تلك الصداقة دورًا مؤثرًا على المسار المهني لفرويد. فقد أخبر بيروير صديقه عن استخدامه للتنويم المغناطيسي في علاج حالة السيدة بيرثا بابينهام من مرض الهيستيريا. حين قام بيروير بتنويمها مغناطيسيًّا كانت مارثا قادرة على التحدث عن أشياء لم تتذكرها في حالتها الواعية. بدأت أعراض المرض تزول تدريجيًّا. وأصبح التنويم المغناطيسي يُعرف بالعلاج بالكلام (talking cure). سافر فرويد وقتها إلى باريس للمزيد من الدراسة حول الأمر تحت إشراف عالمة الأعصاب جاين مارتن شاركو الّتي ذاع صيتها لاستخدامها التنويم المغناطيسي في علاج الهيستيريا.
بعد هذه الرحلة الدراسية، عاد فرويد لموطنه عام 1886 وافتتح عيادة متخصصة لأمراض الاعصاب والدماغ. لكنّه وجد أنّ التنويم المغناطيسي لا يُعطِي النتائج المأمولة ولا يُجدىِ نفعًا، لذا طوّر فرويد طريقة جديدة لحمل الناس على التحدث بحريّة. كان فرويد يجعل المريض يستلقي على أريكة ليصبح مسترخيًا تمامًا، ثمّ يحثه على الحديث عن أي شيء يخطر بباله، وبعدها يقوم بتدوين كل شيء قاله الشخص، ويقوم بتحليله لاحقًا. تُدَعَى هذه الطريقة للعلاج بالتداعي الحر (free association). في 1985 نشر فرويد نتائجه في ورقة بحثية بمشاركة صديقه بروير تحت عنوان «دراسات حول الهيستيريا».
شهد عام 1896، وضع فرويد لمصطلح التحليل النفسي (psychoanalysis)، وهو منهج لتحليل العمليات العقلية اللاشعورية وتوضيح العلاقة بين الشعور واللاشعور وطريقة للعلاج النفسي، كما يُدعَى بعلم النفس العميق (depth psychology) أيضًا.
وطوّر فرويد ما يُدعَى بالأنظمة الثلاثة لشخصية الانسان (الهو والأنا والأنا العليا).
النظام الأول: الهو ID
هي الجزء الأساسي اللاشعوري الّذي تنشأ عنه فيما بعد الأنا والأنا العليا. وتتكون من جزء فطري يشمل الغرائز الموروثة وجزء مكتسب يشمل العمليات العقلية المكبوتة وتعمل الهو وفق مبدأ اللذة وتجنب الألم دون مراعاة المنطق والأخلاق والواقع.
النظام الثاني: الأنا (ego)
هي شخصية المرء في أكثر حالاتها اعتدالًا بين الهو والأنا العليا، وهي تقبل بعض التصرفات من هذا وذاك، وتربطها بقيم المجتمع وقواعده، من الممكن للأنا أن تقوم بإشباع بعض الغرائز الّتي تطلبها الهو، ولكن في صورة متحضرة يتقبلها المجتمع ولا ترفضها الأنا العليا. وهي تعمل وفق مبدأ الواقع. وتمثل الأنا الإدراك والتفكير والحكمة والملاءمة العقلية، كما تُشرف على النشاط الإرادي للفرد وإذا فشل في الموازنة بين الهو والأنا العليا أصابها القلق ولجأت إلى تخفيفه عن طريق الحيل الدفاعية.
النظام الثالث: الأنا الأعلى (super-ego)
هي شخصية المرء في صورتها الأكثر تحفظًا وعقلانية، ولا تتحكم في أفعاله سوى القيم الأخلاقية والمجتمعية والمبادئ، مع البعد الكامل عن جميع الأفعال الشهوانية أو الغرائزية وتمثل الأنا العليا الضمير، ويتكون ممّا يتعلمه الطفل من والديه ومدرسته والمجتمع من معايير أخلاقية. وتعتبر الأنا العليا مثالية وليست واقعية، وتتجه للكمال لا إلى اللذة أي أنّها تعارض الهو والأنا.
إذن، يمكن القول إجمالًا بأنّ الهو هي الغرائز البدائية بينما الأنا هي الجزء الّذي يتفاعل مع العالم المحيط أمّا الأنا العليا هي الجزء الأخلاقي الّذي يحدد المعايير الاخلاقية للأنا.
في عام 1900، كسر فرويد قواعد الطب النفسي بنشر كتابه «تفسير الأحلام»، إذ أشار فرويد إلى طاقة العقل على أنّها الرغبة الجنسية الّتي يجب تفريغها للإحساس بالمتعة وتجنب الألم. أمّا إذا لم تُفرّغ هذه الطاقة جسديّا، فإنّها ستُفرّغ من خلال الأحلام.
أوضح الكتاب مفهوم رمزيّة الأحلام لدى فرويد، فالأحلام ما هي إلّا رغبة اللاوعي في بلوغ الكمال، كما أنّ تحليل فحوى الأحلام قد يؤدي لعلاج أحد أشكال الخوف المرضي المسمّى بمرض العصاب.
واستنتج فرويد أنّ لأي حلم جزئيين اثنين، يُعرَف الأوّل بالمحتوى الواضح (manifest content) وهو الرؤية والصوت الواضحان في عالم الحلم والثاني هو المحتوى الخفي (latent content) أي المعنى الخفي للحلم.
واستغرق فرويد عامين لكتابة «تفسير الاحلام». كانت مبيعات النسخ الأولى منخفضة ونال أرباحًا بلغت 209 دولار فقط. واستلزم الأمر 8 أعوام حتى بِيَعت 600 نسخة من الكتاب، مع ذلك، اكتسب العمل شعبية عندما اشتهر فرويد، وأصدر سبع طبعات خلال حياته طبقًا لبرنامج (public broadcasting service).
في عام 1901 نشر فرويد كتاب «السيكولوجية في الحياة اليومية»، والّذي أدخل فيه مصطلح الانزلاق الفرويدي (Freudian slip) الّذي يُعرَف أيضًا بالخطأ في الأداء (parapraxes) وهو أحد مفاهيم التحليل النفسي الكلاسيكية. وضع فرويد نظرية تقول بأن النسيان أو زلّات اللسان لا تحدث كحادث عرضي بل هي نتيجة الرغبات المكبوتة لدى اللاوعي الديناميكي ما يُعَد أمرًا ذا معنى حول شخصية الإنسان.
في العام التالي أصبح فرويد أستاذًا بجامعة فيينا. وسرعان ما أصبح له الكثير من المتابعين وأنشأ ما يُعرف بجمعية التحليل النفسي. لم يتوقف الأمر عند تلك الجمعية بفيينا بل بدأت مجموعات مماثلة تتشكل في مدن اخرى. بالإضافة لذلك، كان الكثير من علماء النفس المشاهير من أمثال الفريد ادلر وكارل يونج من أوائل المتابعين لفرويد.
في عام 1905 ظهرت للنور أكثر نظريات فرويد إثارة للجدل، ألا وهي نظرياته عن الدافع الجنسي، الّتي نُشِرَت تحت عنوان «ثلاث مساهمات للنظرية الجنسية». نصّت النظرية على أنّ الدافع الجنسي يُعَد عاملًا مهمًّا وكبيرًا في تحديد شخصية الإنسان، حتى الأطفال الرُّضع، وهي الفكرة الّتي تناولها فرويد من قبل في مؤلفاته الأولى. كما طوّر فرويد ما يُعرَف بعقدة أوديب (Oedipus complex) الّتي تنصّ على أنّ للفتيان انجذاب جنسي تجاه امهاتهم ما قد يخلق نوعًا من الغيرة تجاه الأب.
بعد عدة أعوام خرج فرويد بإحدى نظرياته الجنسية المثيرة للجدل في محاضرة ألقاها تحت عنوان «الأنوثة» عام 1933. النظرية الّتي أسماها «حسد القضيب-penis envy» وتنصّ على أنّ الفتيات في سنّ الطفولة تحسدن أقرانهن من الفتية لامتلاكهم القضيب، تظهر أعراض الحسد ذاك كحُبّ من قبل الابنة تجاه أبيها ورغبتها في إنجاب ذكر، لأنّ ذلك هو أقرب ما يكون لامتلاكها قضيب خاص بها.
عادة ما يُسخر من فرويد لميله لتفسير كل شيء بأنّه يحمل دلالة جنسية خفية. ومن القصص مجهولة المصدر، ما قيل عن دعابة أُلقيِت بحضرة فرويد عن وجود دلالة جنسية للسيجارة لشبهها القريب من القضيب، فما كان من فرويد إلّا أن أجاب: «أحيانًا تكون السيجارة مجرد سيجارة ولا شيء أكثر». يطلق البعض على هذا الموقف أنّه أكثر مزحة لفرويد مضادة للأفكار الفرويدية. لكن لا يوجد دليل أكيد على أنّ فرويد قال هذه العبارة، وفقًا لما نشره ألن سي آلمس عام 2001 في الجريدة السنوية للتحليل النفسي.
لازالت نظريات فرويد تثير الجدل في دوائر علم النفس والطب النفسي سواء في حياته أو بعد مماته، ما قد يُثبِت صحة أفكاره. ويقول كارول ليبرمان الطبيب النفسي في بيفرلي هيلز وأحد تلامذة آن فرويد: «اكتشف فرويد اللاوعي والدفاعات النفسية، بما فيها الإنكار والكبت». وأضاف: «إذن، يمكن القول بأنّ كلّ المحاولات لإنكار رؤى فرويد، تزيد من تأكيد صحتها».
ملاحظة:
لا يُعد علم النفس التحليلي وطروحات فرويد اليوم طروحاتٍ معتبرةً في علم النفس، وهي تُدرس كمرحلة هامّة من مراحل علم النفس ولكن ليس كعلم. كما تُدرس ضمن علم النفس الّذي يعطي شهادة آداب في معظم دول العالم.كما لم تسلم طروحات فرويد من الأخطاء والاختلالات المنهجية من قبيل الاستطراد بالآراء الشخصية وإسقاطاتها وإحلالها محل البيانات العلمية. أو الاعتماد على حالات فردية واعتبارها كافية لإثبات الفرضيات، كما عُرف فرويد بتعتيم البيانات غير المناسبة لطروحاته في حالات معينة. فضلًا عن ذلك فقد فندت الطروحات الجديدة بشكل مباشر كثيرًا ممّا قاله فرويد. ولا يقتصر ما قدمه فرويد على سوء المنهج والفكر بل سبب كثير من أفكاره السيئة الصيت في العلاج النفسي أضرارًا على مستوى فئات وأفراد لاسيما علاج الذكريات المكبوتة.
ورغم أنّ علم النفس في عهد فرويد لم يكن في مكانة تؤهله لأن يكون علمًا ولأن ينال أي وسيلة كافية للدراسة؛ فإنّ طروحات فرويد كانت من العمق والتفصيل حول أمور غير قابلة للقياس في وقته لدرجة أنّ علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب لم يصل إلى مستوى تفصيلها وعمقها إلى اليوم. يُعد فجر علم النفس الحديث مبتدئًا ببوادر علم النفس السلوكي في مطلع القرن العشرين.