كانت الأناركية تتصدر العناوين في الآونة الأخيرة. وإذا بحثت عن صور "الأناركيين" تتصدر ترى صورًا لأفراد من الشرطة غارقين في دخان المولوتوف في باريس، والشرطة تقمع النشطاء بالطلقات المطاطية في اسطنبول، وأيضا تصادم الشرطة في واشنطن مع المتظاهرين المناهضين لترمب في يوم التنصيب. ومثل هذه الدعاية الشديدة لا تكاد تكون جديدة بالنسبة للحركة الأناركية.
قاد قرن كامل من الصحافة الضعيفة ديفيد ميلر -المحلل والكاتب- إلى أن يكتب أن "الصورة السائدة للأناركي هي صورة فرد مدمر مستعد لاستخدام وسائل العنف لتعطيل النظام الاجتماعي، دون أن يكون لديه أي شيء بنّاء لتقديمه بطرق بديلة، مجرد شرير يخفي عصا من الديناميت".
رمز الاناركية |
في الواقع، يبدو أن هناك إجماع شعبي مفاده أن أولئك الذين يدافعون عن المثل الأناركية إما أن يكونوا مضللين أو أشرار أو كليهما. لكن هل أي من هذا دقيق؟ هل الأناركية حقاً إيديولوجية عنيفة مصممة على تدمير كل ما نحب ونعتز به؟ هل الطريق الوحيد إلى التحرير بالنسبة للأناركي مليء بالقنابل الدخانية وزجاجات المولوتوف؟ صدق أو لا تصدق، إن الإجابة البسيطة على هذه الأسئلة هي "لا".
إن الأناركية باعتبارها نوع بمن الفكر السياسي يبلغ عمرها أكثر من مائتي عام، وقد شملت فلاسفة كبار متنوعين ومفكرين رأوه طريقا للسلام والحرية، لا الكراهية والعنف. لسوء الحظ، لم تكن الأناركية أفضل الأيديولوجيات ولا أكثرها تحديدا، وكما يشير ديفيد غريبر-عالم الأنثروبولوجيا الأناركي- "من الصعب التفكير في وقت آخر كانت هناك فجوة كهذه بين المثقفين والناشطين. بين منظري الثورة وممارسيها". إن الأثر الجانبي الذي لا مفر منه لهذا التقسيم هو أن الحركات الأناركية تميل إلى الظهور في صورة مفككة، تجمع عشوائي لطلاب متنافسين وعاملين محرومين، قد لا يكونون دائمًا على وفاق.
لذا ربما بعض الوضوح فيما يتعلق بماهية الأناركية يمكن أن يبدأ من تبديد السحابة التي تغطي على الحركة والصورة النمطية السلبية للأناركية التي أصبحت في كل مكان في الثقافة الغربية.
تعريف الأناركية
ما هي الأناركية؟
الأصول اليونانية للكلم ، من خلال ترجمة آن و آركي تبدو كشيء يشبه "بدون حكام". غير أن هذه الترجمة ما زالت تحتوي قدرا كبيرا من الغموض والتبسيط. لحسن الحظ، قدم العلماء خلال العقود القليلة الماضية تعاريف أكثر تفصيلاً يمكننا استخدامها كنقطة بداية. على سبيل المثال، وصف رودولف روكير الكاتب الأناركي (1873-1958) ذات مرة الأناركية بأنها
"اتجاه واضح في التطور التاريخي للجنس البشري، يناقض الوصاية الفكرية لجميع المؤسسات الدينية والحكومية، ويسعى إلى الكشف عن جميع القوى الفردية والاجتماعية في الحياة ".
في الفيلم الوثائقي "الأناركية في أمريكا" عام 1983، أكد عالم البيئة والمنظر موراي بوكتشين أنه يمكن للمرء أن يعتبر نفسه أناركيًا إذا آمن أن "المجتمع يمكن أن يدار بدون الدولة". وهذا يوضح ما يعتبره الكثيرون أكثر المبادئ الأساسية للأناركية: رفض الدولة.
يلمح نعوم تشومسكي الفيلسوم الأمريكي الشهير إلى هذا المبدأ عندما يقول إن الأناركية تتناقض مع "الوصاية الفكرية لجميع المؤسسات الدينية والحكومية". أما الفيلسوف الروسي بيتر كروبوتكين (1842-1921)، الذي غالباً ما يعتبر رائداً في الحركة، فقد اقترح ذلك أيضاً عندما كتب أن الأناركية تسعى جاهدة من أجل " أن يصبح المجتمع ذي الأشكال الموضوعة مسبقا، والتي تبلورها القوانين ، مجتمعا بغيضا". لذا فإن المبدأ الأساسي للفوضوية هو رفض الدولة. لكن ما هي الدولة؟ عادة في هذه المرحلة من المناقشات حول الأناركية يغفل المرء التفاصيل الدقيقة، حيث يبدو أن العديد منهم يأخذون القول المأثور بأن "الأناركية تعارض الدولة" كمرسوم واسع لأتباعها لمقاومة أي وجميع أشكال التنظيم الاجتماعي وهي احتمالية يجدها كثيرون مزعجة للغاية.
ومع ذلك، فإن هذه الفكرة عن الأناركية غير دقيقة. يفسر بوكتشين ويقول:
"إنني لا أعني غياب أي مؤسسات، أو غياب أي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي. الدولة تشير حقاً إلى الجهاز المهني للأشخاص الذين تم وضعهم جانباً لإدارة المجتمع، ولنزع سلطة المجتمع من يد الشعب"
لذلك بالنسبة لبوكتشين، فإن الدولة تضم عادة كيانات مثل الجيش والقضاة والسياسيين. بعبارة أخرى ، تتكون الدولة المقصودة من فئات من الأشخاص يحصلون على امتياز خاص أو درجة من السيطرة على بقية المجتمع، لكنهم لا يتصرفون عادة من داخله. ويشار أحيانًا إلى هذه الحالة باسم "السيادة".
ومع ذلك يؤكد بوكتشين أن الأناركية لا تعارض المنظمات الاجتماعية من حيث المبدأ. بل المنظمات الاجتماعية تصبح مشكلة فقط عندما تتخذ شكل دولة. وليست كل المنظمات دول، وبالتالي، فإن الأناركيين يتعاملون مع بعض المنظمات دون غيرها. على سبيل المثال فإن النقابات العمالية نوع من التنظيم الذي يرى بعض الأناركيين أنه مفيد للمجتمع.
ولكن ما عيب الدولة؟ قدم ديفيد ميلر الإجابة الأكثر شمولاً. في حين أنه لا يكاد يوجد إجماع كامل بين الأناركيين حول خصائص الدولة التي لا يرفضونها (لا يكاد يوجد إجماع كامل بين الأناركيين حول أشياء كثيرة)، يشير ميلر إلى عدة مواضيع تتكرر في الإنتاج الأدبي الأناركي. يدّعي بيير جوزيف برودون الفيلسوف الفرنسي (1809-1865) أن " تكون محكوما يعني أن تكون في كل عملية مسجلا، أو تدفع ضرائب أو ممنوعا أو مرخصا ..."، من بين أمور أخرى. في إشارة إلى برودون، يوافق ميلر على أن الدول "قسرية" و "عقابية" ، مما يقلل من حرية الشعب "إلى أبعد من المطلوب للتعايش الاجتماعي" و تقوم "بسن قوانين تقييدية وغيرها من التدابير الضرورية، ليس من أجل رفاهية المجتمع، ولكن من أجل الحفاظ على الدولة" بالإضافة إلى ذلك، تفرض الدول "عقوبات قاسية ومفرطة على من ينتهكون قوانينها، سواء كانت تلك القوانين مبررة في المقام الأول أم لا.
ماذا يعني أن يرفض الأناركيون الدولة؟ يجادل جون بي. كلارك بأنه لكي توصف النظرية السياسية بأنها أناركية، يجب أن يكون لها "نظرة إلى مجتمع مثالي، غير قهري وغير استبدادي" بالنسبة لكلارك، فإن الأناركية "تقترح التطوع واللامركزية أو الحرية" و "الأناركي لا يريد أن يربط أي شخص برؤية واحدة للمثل الأعلى". كما يقول إن الأناركية تتضمن، أن لا يضطر الفرد للالتزام بأي وجهة نظر واحدة للمجتمع، ويجب أن يكون لديه القدرة على "اختيار" المجتمع كما يرى. لذلك يجب أن تكون الأناركية غير ملزمة في الأساس. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الدولة التقليدية التي وصفها برودون بشكل واضح.
وفي وجهة نظر الأناركيين هناك العديد من الأمثلة الحديثة على كون الدول قسرية أو عقابية مفرطة، أو تسن قوانين تقييدية غير ضرورية. يسارع ميلر إلى الإشارة إلى القوانين التي لا حصر لها في جميع أنحاء العالم والتي تحد من السلوكيات الجنسية التي تمت بالتراضي بين البالغين.
وهناك العديد من الحالات الأخرى تتضمن قوانين ضد الأفعال التي لا تضر أحدا، أو لا تضر أحدا سوى الذين يمارسونه ، مثل القوانين التي تحظر أشكال معينة من تعاطي المخدرات. وإجمالا يعتقد الأناركيون أن الدولة بحاجة إلى رفض ومقاومة، وأن الدولة تتكون من مجموعات خاصة من الأشخاص الذين اكتسبوا السيادة على بقية المجتمع. بالنسبة للأناركي، تستغل هذه الهيراركية (هذه المجموعات) بقية المجتمع بعدد من الطرق الخبيثة، مثل إكراه المواطنين على الخضوع لإرادتهم بفرض عقوبات مفرطة على انتهاك القوانين التي قد يمكن تبريرها أو لا. وهناك مناقشة مثيرة للاهتمام بين الأناركيين حول ما إذا كانت جميع الدول إشكالية بطبيعتها أم لا. ربما تكون جميع الدول الموجودة حاليًا سيئة للغاية، وهذا يترك إمكانية أن يكون هناك شيء يسمى دولة خيرة.
كيف يتخيل الأناركيون مجتمعا يعمل بدون دولة؟
قد تكون قلقًا بشأن التطبيق العملي للمبادئ الأناركية في الحالات التي نتوقع فيها حاليًا أن تتدخل الدولة. قد يتساءل المرء بطريقة معقولة كيف يتعامل المجتمع الأناركي مع الأوضاع التي يعتدي فيها فرد ضد شخص آخر، على سبيل المثال في السرقة المسلحة أو محاولة القتل إذا عارضت الأناركية قوات الشرطة والقضاة والسجون. تذكر أن الأناركيين، بحسب موراي بوكتشين، لا يعارضون بالضرورة جميع أشكال التنظيم الاجتماعي. وهناك ملاحظة مماثلة أدلى بها ميلر عندما كتب أنه "سيكون من الخطأ استنتاج أن الأناركيين يعتبرون جميع الوظائف التي تقوم بها الدولة الآن غير ضرورية"، وفي حالة العنف من شخص إلى آخر، "يعترف الأناركيون ... أنه في هذه الحالات قد يكون من الضروري اتخاذ بعض الإجراءات الجماعية؛ وبمعنى آخر يستطيع الأناركيون أن يتحركوا لمواجهة أعمال العنف الفردي، وهذا لا يتعارض مع رفضهم للدولة.
أنواع من الأناركية
ربما واجه معظم الناس قد واجهوا بعض المصطلحات مثل "الأناركية الشيوعية" أو "الأناركية النسوية"، أو ربما سمعوا أن التحرريين السياسيين مثل الأناركيين، بطريقة ما. قد يُغفر للمرء التيه بين كل هذه المسميات، والتساؤل عن الفرق بين الأناركية النقابية مثلا و الأناركية الأنانية، أو كيف يمكن للشيوعية الأناركية أن ترتبط بطريقة أو أخرى بالتحررية.
بشكل عام، هناك فئتان من الأناركية التي يتم تحديدها عادةً في الأدبيات، والتي تقع تحتها الفئات الفرعية الأخرى وهما : الأناركية الاجتماعية والأناركية الفردية. وقد تمت الإشارة إلى الأناركية الاجتماعية في الماضي باعتبارها "شكل من الاشتراكية الخالية من الدولة". إنها فئة واسعة تشمل تيارات مثل الأناركية الجماعية، والأناركية النقابية، والشيوعية الأناركية. وأوجز ميخائيل باكونين (1814-1876)، وهو أحد أوائل المفكرين في الأناركية الاجتماعية، خصائصها الأساسية: "يعتقد الشيوعيون أنه من الضروري تنظيم قوى العمال من أجل الاستحواذ على القوة السياسية للدولة. بينما يقوم الثوري [الأناركي] الإشتراكي بالاتساق مع رؤية التدمير، أو إذا كنت تفضل تعبيرا أكثر دقة، مع تصفية الدولة". والشيوعيون هم المتحيزون لمبدأ السلطة وممارستها، بينما يضع الاشتراكيون الثوريون إيمانهم في الحرية فقط. بالإضافة إلى ذلك، تميز بيغي كورنغر بشكل فريد بين ما تسميه "الفردية الصارمة" و "الفردية الحقيقية"، حيث تتوافق الأخيرة فقط مع نوع من الاشتراكية غير السلطوية التي تتصورها من أجل مجتمع جيد.
بالنسبة إلى كورنغر، فإن هذا يعني "الموازنة بين المبادرة الفردية والعمل الجماعي من خلال إنشاء هياكل تسمح باتخاذ القرارات في أيدي جميع الأشخاص في مجموعة أو مجتمع أو مصنع، وليس في أيدي" الممثلين "أو" القادة".
بينما تؤكد الأناركية الفردية، على النقيض من ذلك، أن المرء يسعى وراء رغباته بغض النطر عن رغبات أي مجموعة، وأن الدولة لا تمثل سوى عائق في تحقيق هذا الهدف. وينسب هذا الرأي عادة إلى أمثال إميل أرماند وماكس شتيرنر في أوروبا، وإلى بنيامين تاكر والحزب التحرري في الولايات المتحدة الأمريكية. وكما يقول أرماند، "يرغب الأناركي في أن يعيش حياته، قدر المستطاع، أخلاقياً وفكريا واقتصادياً، دون شغل نفسه ببقية العالم، مستغَلين أو مستغِلين"، ولا يوجد "أرضية مشتركة بين الأناركيين و أي بيئة تنظمها قرارات الأغلبية أو رغبات النخبة "
يقول جويل سوشير، الذي يكتب عن رون بول وحزب التحررية، إن "الأناركية والتحررية هما فلسفتان سياسيتان تشتركان بوضوح في نفس المكان"، حيث أن "الأناركية ، بأي شكل من أشكالها، تؤيد نضال الفرد ضد المؤسسات". وعلى خلاف الأناركيين الجمعيون، يدرك الأناركيون الفرديون ذلك، أنه حتى بدون الدولة، يمكن أن تنشأ النزاعات بين الفرد والمجموعة، بين رغبات الفرد ورغبات وقيم الأغلبية. ومع ذلك، لا يمتلك المرء الحرية الحقيقية، بالنسبة للفردي، إذا كان عليه أن يهدئ رغباته ببساطة لإرضاء الآخرين.
طرق المقاومة
لدينا على الأقل الآن فكرة واضحة عما تبدو عليه الأناركية، من الناحية النظرية . ولكن ما الذي تبدو عليه الأناركية من الناحية العملية؟ تبدو الصورة الأكثر انتشارًا للأناركيين في وسائل الإعلام السائدة هي صورة القناع الأبيض الذي يرتدي سترة سوداء ويلقي الحجارة على الشرطة. في حين أنه لا يوجد أي إنكار لوجود أمثلة من هذا النوع، إلا أنه من المخادع تصوير هذا على أنه القاعدة الأناركية.
يقدم لنا عالم الأنثروبولوجيا والناشط ديفيد غرايبير تصويرًا أكثر دقة للتكتيكات المتحركة التي يستخدمها الأناركيون مباشرة من الخطوط الأمامية: "خلال العقد الماضي، كان الناشطون في أمريكا الشمالية يضعون طاقة خلاقة هائلة في إعادة اختراع العمليات الداخلية لمجموعاتهم الخاصة، لخلق نماذج قابلة للتطبيق لما يمكن أن تبدو عليه الديمقراطية المباشرة في الواقع". ويقول إن
"النتيجة هي مجموعة ثرية ومتنامية من الأدوات التنظيمية - مجالس الإدارة ، مجموعات التقارب، أدوات التيسير، تقسيمات.. وما إلى ذلك - وكلها تهدف إلى خلق أشكال من العملية الديمقراطية التي تسمح للمبادرات بتحقيق أقصى قدر من التضامن الفعال".
ويشرح قائلاً: "إن مجالس الإدارة هي عبارة عن تجميعات كبيرة تنسق بين" مجموعات التقارب "الصغيرة. وتختار كل مجموعة تقارب"متحدثا "يمتلك القدرة على التحدث نيابة عنهم في المجموعة الأكبر". والتقسيمات هي عندما ينقسم اجتماع كبير مؤقتًا إلى اجتماعات أصغر ستركز على اتخاذ القرارات أو توليد المقترحات. يصف غرايبر أيضًا ما يشير إليه بلغة عصيان مدني جديدة تتضمن" عناصر مسرح الشارع والمهرجان وما يمكن أن يوصف بالحرب غير العنيفة". يشير على سبيل المثال، إلى احتجاج عام 2001 في مدينة كيبيك، عندما قام الناشطون ببناء منجنيق كبير ألقوا منه دمى الدببة وألعابًا ناعمة أخرى على الشرطة؛ أو عندما حاول النشطاء الذين كانوا يرتدون البدلات الرسمية والأرواب المسائية "أن يضعوا أموالا وهمية في جيوب رجال الشرطة، ويشكرونهم على قمع المعارضة" خلال اتفاقيات الحزب الأمريكي في انتخابات عام 2000 الرئاسية.
في بيان عام 2011 من منظمة الأناركية الدولية وضح ما يمكن اعتباره "خطة قيمة الصدمة" لتقويض النظام الاستبدادي للمجتمع الرأسمالي، بما في ذلك "تدخين الحشيش خارج المقهى أو الحانة" ، في انتظار الناس "للانضمام إليك حتى يتعاطى الجميع كل المخدرات التي يمكن تخيلها". ثم"ممارسة الجنس علنا في الحقول أو المنتزهات المجاورة". من ناحية أخرى، هناك بعض أشكال الأناركية التي ليس لديها مثل هذه الدعوات للعمل على الإطلاق.
إن "الأناركية الفلسفية"، كما يطلق عليها عادة، تصل إلى الاستنتاج الأناركي حول عدم شرعية الدولة، وأتباعها "يأخذون هذا الحكم للدعوة لعدم وجود التزامات سياسية عامة". ولكن كما يكمل جون سيمونز: "إن ما يميز الأناركية الفلسفية هو أن حكمها على عدم شرعية الدولة لا يترجم إلى أي مطلب فوري لمعارضة الدول غير الشرعية ... فالأناركيون الفلسفيون يظنون أنه قد تكون هناك أسباب أخلاقية جيدة لعدم معارضة أو تعطيل بعض أنواع غير الشرعية على الأقل".
إن أهم نقطتين هي أولاً أن الأناركية هي في الواقع نظرية سياسية متطورة يمكن أحيانًا تشويهها من قبل الأفراد، وثانياً أنها لا تنطوي على التدمير والعنف المتفشي الذين من المرجح أن يجدهما المرء في الأخبار أو على وسائل التواصل الاجتماعية. ثانيا؛ يستطيع الفوضويون (نأمل) أن يقروا بأن نظريتهم ليست أكثر تطوراً من بعض النظريات السياسية الأخرى، لكن هذا لا يجعلها غير مؤهلة تلقائياً باعتبارها غير قابلة للتصديق. وكما أظهر غرايبير بشكل مقن ، فإن المجتمعات الأناركية الواقعية قد تطورت ونجحت وازدهرت، حتى لو كان ذلك لفترة محدودة حتى الآن. لذا فإن المنتقدين مخطئون عندما يقولون إن الأناركية هي مجرد حلم يقظة طوباوي.
حتى أن بعض هذه المجتمعات نجحت في إحداث تأثير سياسي دون إثارة العنف، كونها في الغالب على الطرف المتلقي من المضايقات بدلاً من فاعلها. وستكون تجربة مثيرة للاهتمام أن نرى كم من الوقت تستطيع هذه المجتمعات الحفاظ على نفسها فقط بالعمليات الداخلية الخاصة بها. هل تزهر وتزدهر مثل مقدونيا تحت حكم الإسكندر، أم تذوي وتتلاشى من صراعها الداخلي، مثل روما؟
ولكن قبل أن نتمكن من اختبار ذلك، سنحتاج إلى التخلي عن أي مفاهيم خاطئة مسبقة لدينا عن الأناركية، بما في ذلك التمييز بين أولئك الذين يستخدمون اللقب كذريعة لإحداث الفوضى وأولئك الذين يأخذونها فعليًا على محمل الجد كنظرية عمل.
- كلمات مفتاحية:
الاناركية، الأناركية، الأناركية والعنف، الأناركية والثورة والإنسان،
- ترجمة (الزهراء جمعة)
- هذا التقرير مترجم عن: Philosophy Now عن ميدان